الثلاثاء، 31 مارس 2015

إقتصاد الجيش خط أحمر






"
نحن نري دور الجيش في الإقتصاد كقوة تخنق إصلاح السوق الحرة من خلال زيادة مشاركة الحكومة المباشرة في الأسواق ". هكذا نقلت السفيرة الأميركية السابقة مارجريت سكوبي في وثيقة سربها موقع ويكليكس و نشرتها مجلة سيليت الأمريكية Slate  في  15 ديسمبر 2010.

و في فترة حكم مبارك الأخيرة بعد عام 2005 كان السؤال الذي يتردد هو حول دور الجيش في مستقبل السياسة المصرية و أي السيناريوهات  أقرب إليه في حالة وفاة مبارك أو فراغ السلطة او إنتقالها لرأس جديدة هل هو السيناريو التركي أم الأيراني أم الباكستاني ؟

كان الجيش إذاً ، و لا يزال ، هو محور أساسي في  العملية السياسة في مصر لدي المراقبين و مراكز الأبحاث و صُنع القرار الأمريكية، و هو أمر بلا أدني شك صحيح، و لهذا حظي الجيش بكل هذا الإهتمام البحثي.

" الجيش يًساعد النظام علي ضمان إستقرار النظام و يُدير شبكة واسعة من الأعمال بحيث أصبح الجيش مؤسسة شبه تجارية" ، قالت سكوبي.

و ما تعنيه سكوبي بضمان إستقرار النظام، هو الدور الفعَال الذي يقوم به الجيش حيث إنه يكتفي ذاتياً من إحتياجاته دون أن يُثقل كاهل الموازنة العامة للدولة، بل إنه يقوم ، في الوقت المناسب ، بسد العجز في القطاعات المدنية من فائضه، و يُسهم  في مشروعات البنية التحتية بكفاءة. كما أن إقتصاد الجيش الخاص به يعوض ميزانيته المنخفضة منذ معاهدة السادات للسلام مع إسرائيل و توجهه لنظام الإنفتاح الإقتصادي الذي قَوض القطاع العام، ما يُعد ضرورة من ضرورات الأمن القومي، و يجعله مُحتفظاً بقوته و بتصنيفه كجيش من أقوي جيوش المنطقة، بل إنه هو و الجيش السوري ، فقط ، يُعدان أقوي جيشان عربيان قبل أن يُدمِر الإحتلال الأمريكي الجيش العراقي ، الذي كان يعد ثالث أقوي الجيوش العربية.

إن تفوق الجيش الإسرائيلي هو وعد أمريكي لا مراء فيه. و إن المعني الحقيقي لهذا التفوق تعدي الأفضلية إلي معني أن يكون هو الجيش الأوحد القوي في هذه المنطقة تحقيقاً لمقولة أحد القادة العسكريين الإسرائيليين، أن إسرائيل لن تقيم دولتها الكبري إلا بتدمير جيوش ثلاث دول هي : العراق و سوريا و مصر.

إن الجيش المصري يتعرض لمحاولات الإضعاف عقب حرب أكتوبر 1973، و مع توجه السادات الإنفتاحي، كما ألمحت بعاليه، فإن حلاً عبقرياً هو الذي أهتدي إليه المشير أبو غزالة، يعتبر تحايلاً علي محاولات إضعاف الجيش تمثل في خطة إكتفاء الجيش ذاتياً فتم إنشاء جهاز مشروعات الخدمة الوطنية. لكن كان جزاء أبي غزالة الإقالة، ربما لأسباب أخري.

و خلال عهد مبارك ، و منذ عام 1992 منذ أن فُرضت عليه الأجندة النيوليبرالية الأميركية في الإقتصاد من صندوق النقد الدولي ، و مع تصاعد نجم نجله جمال الذي كان موضع الحديث عن تلميعه لوراثة أبيه، فإن الإقتراب من إقتصاد الجيش كان خطاً أحمر. يري البعض ان سبب هذا هو إغراء للجيش لمساندة النظام ، و في مرحلة أخري كعربون له لقبول إنتقال الحكم لجمال مبارك كرئيس مدني غير عسكري. و قد يكون هذا صحيح ، لكن للأمر أبعاد اخري وطنية ، لا شك ، فليس إمتلاك  الجيوش لإقتصاديات خاصة بها بدعة ، كما يوهمنا البعض من المُروجين للاجندة الأمريكية و وكلائها ، فهذا الأمر لا يختص به الجيش المصري وحده   " لكل جيش من الجيوش الغربية بما فيها الجيش الامريكي إقتصاد خاص به من اجل تحقيق الإكتفاء الذاتي و التصدي للأزمات الطارئة في المجتمع"، كما يقول اللواء نبيل فؤاد، مساعد وزير العدل المصري ، سابقاً.

و تري الولايات المتحدة الأمريكية أن الجيش يقف عائقاً نحو تحول مصر نحو النظام النيوليبرالي ، و قد أوصي السفير التركي في مصر ، في فبراير من العام الجاري ، حسين عوني بوسطالي، بإنه يجب تقليص موازنة القوات المسلحة و ضخ الفائض في الإقتصاد القومي. معني هذه النصيحة التي يصح وصفها بالمسمومة هي مزيد من الإضعاف للجيش المصري، المنخفضة ميزانيته أصلاً منذ معاهدة السادات مع إسرائيل 1979. و تركيا دولة عضوة في حلف الناتو الذي ترعاه أمريكا، و الذي تنتشر له في الأراضي التركية 24 قاعدة أمريكية تخدم الناتو و إسرائيل، كما يوضح الخبير العسكري محمد قدري سعيد. و تركيا تريد لعب محوري في المنطقة علي حساب مصر و سوريا و السعودية و إيران، و هنا تتلاقي تركيا مع حليفتها إسرائيل.

و  التوجه الإقتصادي للإخوان المسلمون ، كما يعبر عنه برنامجهم هو التوجه النيوليبرالي. الذي هو نفس النهج الاقتصادي لجمال مبارك  و لأمريكا. و ما تقوله دراسات أمريكية أن هناك صراعاً خفياً كان بين جمال مبارك و قادة الجيش حول هذه القضية لكن مبارك انحاز فيها للجيش. و الآن يقبع جمال و أبيه في السجن، و أتي الأخوان النيوليبراليين أيضاًَ إلي الحكم فهل ينجحوا فيما فشل فيه جمال تنفيذا للرغبة الأمريكية في إضعاف الجيش المصري ؟

كان عنوان وثيقة سكوبي المشار إليها هو : السوق و الجيش لا يلتقيان.




هل يتجرأ الإخوان علي كسر الخطوط الحمراء ، و التي تعديها يُشكل مباشرة خطراً علي الأمن القومي ، بإتباع النصائح الأمريكية في تقليم أظافر الجيش الإقتصادية ؟

نظرياً، فإن دستور نوفمبر 2012 قد حصَن الجيش و أعطاه إستقلالية في إدارة أموره لكن هل يمكن أن يحدث هذا سواء عبر إنقلاب داخلي او إختراق موالِ لهم يمكنه عبر إصدار قرارات تنفيذ هذا الهدف ، أو عن طريق تعديل دستوري إن طال بهم أمد الحكم و نجحوا في " أخونة الجيش" ؟

إقتصاد الجيش الخاص خط أحمر و قضية أمن قومي علينا عدم المساس به و التهاون فيه.

و إذا سقط الجيش سقطت مصر.

___

                                                        *

                                                   20/5/2013

0 التعليقات:

إرسال تعليق