الثلاثاء، 31 مارس 2015

بث مباشر لأسرار الأمن القومي



في مناسبة جادة، و حزينة، يذهب الشيخ حسني لتقديم واجب العزاء. جلسات العزاء تتطلب- بطبيعتها جدية و وقارا تليق بهيبة الحدث، و مراعاة لأجزان الناس،كما إنها لا شك تدعو للتفكر في الحياة وجودياً. لكن جلسة العزاء، المخصصة في أحد الغرف، تتحول إلي جلسة نميمة عن أهل الحارة، الشيخ حسني - الأعمي- يفضحهم و يكشف عوراتهم، فتنقلب الجلسة من حالة الوقار إلي جلسة فرفشة ! 
و دونما قصد - يهاجم النوم عامل الميكروفون فيفتح عليه الهواء ليخرج حوار العزاء الهزلي إلي كل أهل الحارة الذين يسمعون فضائحهم ! 

فتحية التي تخون زوجها العنين المهندس حسن مع تاجر المخدرات الهرم،زوجة سليمان الصائغ التي هربت مع عشيقها، أمها التي تعيش حالة غرامية مع الشيخ حسني، فاطمة عشيقة إبنه يوسف ..!

يقلب الشيخ حسني الجد إلي هزل، و يكشف لأهل الحارة حقيقتهم. 

كان هذا هو أحد أشهر و أهم المشاهد في فيلم داوود عبد السيد، الكيت كات.

إستدعيت هذا المشهد، فور وقوع مهزلة الحوار الوطني المنعقد بقصر الرئاسة - أمس - لمناقشة موضوع سد النهضة الأثيوبي،  و كيفية مواجهة القرار الأثيوبي بالبدء في تغيير مجري النيل الأزرق، و ما له من تداعيات مستقبلية تؤثر علي حصة مصر من ماء النيل، ما يضعها كقضية أمن قومي ملحة، لا تحتمل تأخيراً أكثر من كل ما جري، و لا تحتمل عبثاً أكثر من كل العبث الذي تعرضت له هذه القضية. 

و هي مهزلة لأكثر من سبب: 

* إذاعة المناقشات مباشرة علي الهواء، مع خطورة الموضوع وأهميته و عدم تبليغ الحضور بإذاعته علي الهواء، ثم إعتذار باكينام الشرقاوي مساعدة مرسي عن هذا الخطأ. لكن المسألة ليست بمثل هذه البساطة التي تدعونا لتقبل هذا الإعتذار عن هذا الإهمال، أو عدم اللامبالاة بمصير الوطن طالما كان تأمين كرسي الحكم أهم،إذ إنه لا ينبغي أن نعزل هذا التصرف عن الرغبة في إيهام الشعب بديموقراطية الحكم و مشاركته الأمور مع المعارضة ( الحلوة) اللطيفة ، التي هي غير المعارضة ( الوحشة) الهدامة التي تحارب الرئيس و ترحب بـ ( تمرد) و تدعو للخروج مطالبة بإسقاطه أواخر الشهر الجاري، في 30/6!

و ما جري هو جريمة ينبغي المحاسبة عليها، فنحن نعرف مثلاً معني النقل الحصري لمباراة لكرة القدم أو لغيرها من الأحداث لكننا سباقًون في النقل الحصري و البث المباشر لأسرار الأمن القومي علي الهواء ! 

أخشي أن تطمع قنوات الجزيرة في شراء البث الحصري لهذه الأسرار لتنضم إلي قنوات الجزيرة الأخبارية و للجزيرة الرياضية و لأشهر دوريات العالم  ! ده هو اللي ناقص..! 

و كنت أتمني أن تكون هذه مجرد مزحة إذ يبدو أن الحقيقة ليست ببعيدة عنها. فتٌش عن علاقة قطر بسد النهضة الأثيوبي. و ستعرف لماذا الرضا الرسمي المصري عن بناء السد و تحويل مجري النيل الأزرق. فتٌش بنفسك، و إندهش.أو إبكِ... إن شئت. 

* و هي مهزلة لأن هذا الرئيس من المفترض وقت ترشحه للرئاسة إنه يعلم، و هو بالفعل يعلم، بهذه القضية و لديه تصور مسبق عنها و عن كيفية حلها. ألم يُلمِح البعض أن سر إختياره لهشام قنديل رئيساً للوزراء هو درايته بملف النيل، حيث عمل هشام مسئولاً عن ملف النيل في عهد نظام مبارك البائد، ثم وزيراً للري في عهد عصام شرف ثم عهد الجنزوري، و هو فاشل بدرجة قدير في هذا الملف، الذي من المفترض إنه تخصصه و ملعبه الذي لا يباريه فيه أحد..هي مهزلة لأن مرسي يتصرف كما لو كان هذا الملف ظهر فجأة! و لأنه يتعامل معه بلا إكتراث و بلا مسئولية حقيقية.و إنما يريد  إستغلال الأزمة كما هو واضح ، لتحقيق مكسب سياسي شخصي، أو بالأحري لجماعته فقط.

* و هي مهزلة لأننا المفترض في دولة، لها أجهزة و مؤسسات تعمل من خلالها، و بنص دستور الإخوان فإن المسئول عن مناقشة هذا الموضوع هو مجلس الأمن القومي، و التي تتشكل من رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء و وزيري الخارجية و الدفاع و رئيس أركان الجيش، و مديري المخابرات العامة و الحربية ، و رئيس المحكمة الدستورية و النائب العام.. و بنص الدستور فإنه يحق له دعوة  الوزراء أو أحد الشخصيات العامة للإستماع لرأيه، إذا دعت الحاجة. 

و هذا الإجتماع ليس له هذه الصفة. لكنه مجرد دردشة فارغة. أضرت أكثر مما نفعت. بل إن أثيوبيا الآن تمتلك وثيقة لصالحها في حالة حدوث أي عمل تجاهها. بعبارة أخري، هذا الإجتماع بالشكل الذي خرج به، بهذا البث المباشر لأسرار الأمن القومي علي الهواء، قد وجه ضربة ذاتية لنا في حرق الكروت التي كان من الممكن إستخدامها. إننا الآن كشخص عارٍ يجري وسط المدينة.

أليس إستدعاء مشهد العزاء  من فيلم الكيت كات الذي تحول إلي عبث و نميمة  و كشف لعورات أهل الحارة-في محله. لكن مع فارق مهم،و هو أن مشهد الحوار الهزلي الحقيقي هو نكبة حقيقية علي مصر، التي صارت كإ مرأة عارية تحتاج لمن يسترها بعدما أصبحت مشاعاً علي الهواء.

و حتي لا نظلم داوود عبد السيد و إبداعه العظيم فإن الشيخ حسني و إبنه يوسف كانا تعبيراً عن مواطن ما بعد عصر الإنفتاح الساداتي الذي لا نزال نعيش فيه و في أوزاره، و التي أحدها وصول الإخوان للحكم، الشيخ حسني حينما فٌتح الميكروفون دون أن يدري فإن ما تسرب من جلسته كان تنبيهاً لأهل الحارة ليواجهوا حقيقتهم. أما فيلم الرئاسة المسئ فالأمر علي العكس تماماً فهو جزء من مسلسل اللهو المنظم ! و لعل من فائدته أن نتطلع - كشعب إلي إنهاء المأساة. 


و ما بين الشيخ حسني المصري الأصيل، و الشيخ مرسي الإخواني الأصيل. تبحث مصر عن نفسها و تتطلع لأن تكون نفسها. 

_

                                                    * 4/6/2013

0 التعليقات:

إرسال تعليق