الثلاثاء، 31 مارس 2015

هل يحرقون الوطن من أجل الأستاذية ؟!



" إنه رجل مجنون ".

هكذا أشاع بعض جنود الحملة الإستكشافية إلي المكسيك  1519 علي قائد الحملة،هرنان كورتيز.

و قد كان الرجل مجنوناً بالفعل؛ فجنود حملته، يبلغ عددهم 500 فرد فقط، و كان يريد أن يغزو بهم إمبراطورية المكسيك،التي كان يحكمها وقتها الإزتيك،و هم مقاتلون شرسون يلبسون جلود أعدائهم و يبلغ عددهم نصف مليون أزتيكي.

مجنون فعلاً. كيف ل 500 فرد أن يهزموا نصف مليون مقاتل شرس ؟

و لم تكن هدف حملة كورتيز هي غزو المكسيك، بل أن أهداف الحملة التي حددها له حاكم كوبا دييجو دي فالاسكيز كانت تهدف إلي 3 أمور،لا رابع لها : - معرفة مصير المستشكفين السابقين الذين ذهب معظمهم و لم يعودوا -، و ثانيا :العثور علي الذهب : و ثالثاً : تمهيد الطريق لغزو المكسيك.

و هكذا فقد أنحرف كورتيز عن أهداف الحملة. و طمع في غزو و حكم المكسيك لنفسه. و كان هذا - أيضاً - مطمع حاكم كوبا و لهذا فقد أرسل جواسيس بين ال500 فرد ليفسدوا علي كورتيز أي محاولات للعب لحسابه.

و قد سبب له هؤلاء الجواسيس قلقاً، فقرر التخلص منهم ، و مساء يوم أعترف له أحد الجنود، أن مؤامرة تُدبر ضده،حيث سيهرب الجواسيس بأحد السفن إلي كوبا ليخبروا حاكمها فالاسكيز بأطماع كورتيز، و علي الفور قرر كورتيز ثقب كل السفن إلا واحدة !!

و فيما بعد أمر بحرق آخر سفينة..!!

ليكون التفكير في العودة مر أخري إلي كوباً مستحيلاً  تحقيقه، إلا بشرط واحد : غزو الأزتيك و أن يصبحوا لوردات المكسيك. في هذه الحالة وحدها يمكن لمن تبقي من جنوده، العودة أحياء إلي كوبا!

و بعد عامان من إحراق السفن، تمكن بمن تبقي معه من جنود، و بالتعاون مع حفائه من القبائل المُعادية للأزتيك من تحقيق حلمه، و من غزو المكسيك !!

إستطاع هرنان كورتيز بتفكيره المجنون أن يغير جغرافيا و تاريخ المكسيك.  و ان يقضي نهائياً علي سكانها الأصليين..بمساعدة اعدائهم - حلفائه !



هذه الواقعة التاريخية و التي كان زمنها  عصر النهضة الأوربية علينا إسقاطها علي مصر في زمن نهضتها الإخوانية ! تعلمنا هذه الواقعة أن مجرد ترديد النخبة لمقولة إنه لا يمكن لفصيل واحد الهيمنة علي مصر، هو قول يحتاج لمراجعة، أو يحتاج أن يخرج من كونه قول نظري إلي أرض الواقع العملي، ليتحول إلي تحركات عملية، لكن العزاء أن الشعب هو من يتحرك وحده بعفوية و عبقرية ليجابه محاولات القضاء علي هويته و تاريخه و تلوينه باللون الإخواني !

تعلمنا هذه الواقعة أيضاَ، أن نجاح السلطة الغشومة في سياسة فرق تسد بين معارضيها ، سواء بالرشي السياسية أو بإستخدام الخلافات  الأيدلوجية أو حتي الغيرة الشخصية بين القادة، و غيرها من الأساليب ، هي كلها محاذير يجب التنبه إليها،لكن و  لأن السياسة تعرف أساليب و خدع الحرب فيجب عدم الوقوع في فخ ضم " جواسيس" كجواسيس فالاسكيز إلي صف المعارضة، و هذه نقطة مهمة جداً.

قد يقول قائل، و له الحق فيما سيقول، أن شكل التنظيم السياسي في عصر كورتيز مختلف عن الشكل الحالي، كما أن هناك وسائل أخري كثيرة، تحد و تمنع أن يتكرر هذا، فأقول له: نعم قد يكون التنظيم السياسي و ادوات العصر مختلفة، و لكن الدهاء واحد عبر كل العصور .. و انظر فقط إلي مثال واحد من العصر الحديث، و هو الثورة  الإيرانية التي أقامت أخيراً دولة المذهب الديني الواحد، و أستبعدت كل المعتقدات السياسية الآخري، و نبذت كل الاعتقادات الدينية الأخري و إضطهدتها حتي المنتمية لنفس الدين الإسلامي و المختلفة عنها في المذهب !

و في الأخير تعلمنا واقعة سيطرة كورتيز علي المكسيك: أن الجنون ينتصر لو غابت الفطنة و الحذر و الإستعداد المناسب لمواجهته. كما إن جنون كورتيز قد يعطينا مفتاحاً لفهم كل هذا الجنون و العبث و اللامعقول الذي يمارسه  الإخوان منذ وصلوا إلي الحكم !

و قد أحرق كورتيز كل سفنه ليحكم إمبراطورية الأزتيك. فهل يحرق الإخوان مصر من أجل تحقيق حلم الأستاذية ؟!

_
                                                 *
                                              الاسكندرية/ 4-6-2013

0 التعليقات:

إرسال تعليق